Skip to main content

التشدد والتطرف

التشدد والتطرف
د. صالح الشادي .
والتشدد أو التطرف أو (الغلو) أمر شيطاني بلا جدال، ففيه نزعة لا تمثل الفطرة السوية التي تميل إلى التوازن والإعتدال، وتجنح إلى تحكيم العقل، وإلى الموازنة بين العقل والعاطفة والجسد والروح، والدنيا والآخرة.
قال تعالىفي سورة الأعراف : (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده، والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون)
وفي التشدد استبداد بالرأي أو بالإتجاه.. وهو مايمثل شذوذا في روح الجماعة السوية من البشر، وقد يشكل خلافا مع الآخر، أو إنشطارا عنه، قد يوغر الصدور ويخلق العداء.
وقد يكون التشدد على الصعيد الشخصي في أمر العبادة، أمر مستحب، خاصة إذا كان خشية لله وإحقاقا للحق، ورغبة في المثوبة. أما إذا جاء هذا الأمر على حساب راحة المرء وإستقراره وصحته، وكان فيه مضره – ولو كان في أمر العبادة – فليس فيه خيراً، وهو من فعل الشيطان، لأن الله أكرم من أن يكلف المرء شيئا فوق طاقته وتحمله فقد قال تعالى فقي سورة المؤمنون (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون).
والتشدد مفهوم واسع شامل، ويتناول قضايا وأفكارا مختلفة، وهو ينطبق على جوانب عدة في شؤون حياة الفرد وفي شؤون حياة الجماعة، والوسطية هي الطريقة المثلى في كل شي ء.. وفيهاالخير وفيها الصلاح، وقد تشدد اليهود، وتراخى النصارى، وجاء الإسلام بالرؤية الوسطية التي تصلح أمر الفرد والجماعة.. ومن شْذّ شَذّ في النار..قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).
وقد جاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والغلو فإنه أهلك من كان قبلكم)وجاء : (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوما شددوا على انفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديورات) كما قال عليه الصلاة والسلام (ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما خرج من شيء إلا شانه).
وقال تعالى: (رهبانية ابتدعوها ماكتبناها عليهم) كما قال عز شأنه في سورة النساء : (يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفا) ، كما قال عز من قائل (ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك)، وقال (وجادلهم بالتي هي أحسن) .
إن الذي يخاطبنا في السابق من الآيات هو الرب، هو الخالق، هو الحكيم، هو البصير، هو العليم. والذي يحدثنا هناك هو نبيه ورسوله إلينا وهو الذي لا ينطق عن الهوى، فأطع ماجاءك لصلاحك، وأنه النفس عن الهوى، وءاتمر بأمر الله. قال تعالى في سورة النازعات (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) فلا تطع هواك فإنه مرتع الشيطان. وإتق الله في نفسك وفي مالك وفي ولدك وفي أهلك وفي وطنك وفي دنياك.

في مفهوم الإسراف
د. صالح الشادي
وعن أنس بن مالك قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال ما هذا؟ قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه. ثم قال: ليصلي أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (إذا نعس أحدكم فليرقد حتى يذهب عنه النوم).
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله: (ياعبد الله ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يارسول الله. قال: فلا تفعل. صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم في كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله، فشدّدت فشُدد علي. قلت يارسول الله إني أجد قوة. قال: فصم صيام نبي الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه. قلت: وما كان صيام نبي الله داود؟ قال: نصف الدهر).

وفي رواية لمسلم (وأقرأ القرآن في كل شهر. قال: قلت يانبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال فأقرأه كل عشرين. قال: قلت يانبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: فأقرأه في كل عشر. قال: قلت يانبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: فأقرأه في كل سبع ولا تزد، وكرر فيها: فإن لزوجك عليك حقا، ولزوْرك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا)( ).
– في المأكل: إن الإعتدال في الطعام من أمر الفطرة السوية، والإكثار منه إغواء شيطاني قد يورث التخمة والعجز والكسل وقد يتسبب في كثير من الأمراض.. المزعجة التي تعوق الإنسان عن العمل وعن العبادة فتتعطل الحياة، وكذلك الإقلال والتقتير من الطعام – بإستثناء ظروف المرض والفقر-، فإنه يورث الضعف والهزال، الذي يمنع المرء عن القيام بواجبه تجاه نفسه وتجاه غيره.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم وأشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون)( ) وقال جل من قائل (وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)(2).
وقد روي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابه جهد في رمضان فلم يفطر فمات دخل النار). وفي الصحيحين أن رجالا من الصحابة قال أحدهم: أما أنا فأصوم لا أفطر، وقال آخر: أما أنا فأقوم لا أنام، وقال آخر: أما أنا فلا أقرب النساء، وقال آخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (مابال رجال يقول أحدهم كذا وكذا.. لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني)( ).